بعد العام 2003 تصاعدت وتيرة الحراك الثقافي بشكل لافت وانطلقت فعاليات مختلفة في حقول المسرح والتشكيل والموسيقى والاعمال اليدوية ، وكان للشعر الشعبي حصة الاسد ، لكن سرعان ماتراجعت هذه الفعاليات بشكل سريع واختفى البعض منها رغم انتشار الروابط والاتحادات والنقابات وتضاعف اعداد اعضائها، البعض يعزي السبب وراء انحسار هذه الفعاليات الى الاهمال الحكومي المتعمد فيما يرى اخرون ان غياب الادارة والتخطيط هو السبب الرئيس.
جريدة صباح الديوانية استطلعت آراء بعض الشعراء والمثقفين وكانت وقفتها الاولى مع رئيس جمعية الشعراء الشعبيين فرع الديوانية احمد الخالدي الذي قال: ان التشتت والانقسامات الغير طبيعية في الاتحادات والجمعيات الشعريه هو المعطل الاول للانشطة والفعاليات الابداعية وعدم حصول الشعراء على ادنى حقوقهم المشروعة ولو هذه الخلافات لكان من الممكن جدا الضغط على الحكومة المحلية وانتزاع مايمكن انتزاعه من حقوق ومكتسبات بما فيها الحصول على مقر جيد يليق بشريحة مهمة وفاعلة في المجتمع مثل شريحة الشعراء لكن هذه الاحلام ذهبت ادراج الرياح وحصل ماكان متوقعا واضيفت الى قائمة ازمات خانقة يعيشها البلد من فساد ومحاصصة مقيتة.طالت ادنى تفاصيل الحياة العراقية.
ازمات خانقة
واضاف الخالدي كان ومازال للشعراء دور مهم وعلى مدى التاريخ في بناء المجتمعات وتوعيتها وشحذ الهمم في مواجهة الازمات التي تعصف بالبلاد ولطالما كان للقصائد التي يطلقها الشعراء في مواجهة الظلم دور كبير في انتزاع الحقوق من الحكومات الظالمة والفاسدة ، ولا يخفى على الجميع القائمة الطويلة من الشهداء التي قدمها الشعراء من اجل العراق وترابه في حربه مع عصابات داعش وعلى الحكومة العراقية بشقيها التنفيذي والتشريعي الالتفتات الى هذه الشريحة المهمة اسوة ببقية فئات المجتمع العراقي
اما رئيس جمعية البيت العراقي للشعر الشعبي حامد كعيد الجبوري قال: هذا السؤال يحتاج لمساحة من الذاكرة وفسحة زمكانية، ندخل الجواب ونضع أمامنا الثقافة بمجملها، فنون بشتى مشاربها من موسيقى وغناء وتمثيل ورسم ومسرح، والآداب بمجملها، ويمتد بنا الحديث صوب العلوم من طب وهندسة وغيرها والتكنولوجيا وتطورها، وأعتقد أن مسألة التردي والنكوص مسبباتها مشتركة توزع بين الدولة ومؤسساتها، المواطن وصمته، ومؤسسات المجتمع المدني وعدم تصديها وتصدرها الواجهات الثقافية، ويمكن أن نضيف لذلك وهو تراجع جهد بعض الأشخاص.
جهود فردية فردية
واضاف الجبوري رغم كل ما قلته يبقى الجهد الفردي لبعض الرموز الإبداعية في مواكبة عملها الثقافي والعلمي، وتوجد أسماء كثر أوجدت لها حيزا يشار له، ويعد ذلك جهدا فرديا يغني الساحة بما هو جديد، وقد أعد شخصيا من المهتمين بالشأن الثقافي الشعبي - شعر ، تراث ، مواضيع نقدية تعنى بالأدب الشعبي عامة -، لذا يمكن أن ابدي بعض رأي بذلك، ربما ساحة الثقافة الشعبية تختلف بعض الشئ عن بقية المناهل الثقافية، ولو أخذنا الأغنية ولأنها تكتب باللهجة المحكية فاسأل أين نتاجنا الغنائي وتحديدا بعد سقوط صنم الدكتاتورية، قياسا بالموروث الذي حفر بذاكرة العراقيين - المكير، البنفسج، الطيور الطايرة -، وحتى الاغاني الوطنية، فلم نعد نجد كتلك الاغاني والأناشيد التي كانت تكتب وتغنى للقائد الضرورة، وحين نضع الشعر الشعبي تحت المحاكمة نجده الأفضل بين مشارب الثقافة العراقية، ربما يعود ذلك لجهود فردية لمن يتولى مهام قيادة بعض منظمات المجتمع المدني، مثلا لذلك جمعية الشعراء الشعبيين في العراق، ممثلة بالزميل الشاعر عباس رضا الموسوي، ونشاط لجمعية الشعراء وكتاب الأدب الشعبي ممثلة بالزميل كريم الشويلي، وكذلك جمعية البيت العراقي للشعر الشعبي، وتابع ورغم الخراب والدمار والتردي وقفت بعض قامات شعرية أسست لنفسها ولمنظمتها المدنية قاعدة يشار لها امثال عماد المطاريحي وناظم الحاشي وعمر القره غولي و راسم الخطاط، ميثم الرماحي وصلاح عواد وقاسم الياسري وستار الدليمي وأسماء أخرى لم تسعفني الذاكرة بالإشارة لها، ختاما لهذه الرؤى الشخصية أجد أن المؤسسات الحكومية ممثلة بالدولة تتحمل الوزر الكبير بتراجع ما أشرنا له خلال السطور أعلاه، أمنياتنا بواقع ثقافي علمي فني وحتى سياسي لعراق يفترض أن لا يغادر موقعه الريادي عربيا وعالميا.
فيما قال الشاعر والدكتور سعد عبد محمد : اعتقد ان تراجع المهرجانات يعود إلى سبب مشترك بثلاث جوانب الجانب الأول : الاهمال الحكومي المُتعمد لتسهم بغياب الذوق الرفيع والجانب الآخر.. هو تعدد برامج الميديا الذي سرق هو الآخر المتذوقين للشعر في الأمسيات . والجانب الثالث وهو سوء الإدارة وتشتت المصب العام للشعر و الشعراء.
محافل دورية
واضاف تكمن الحلول بالتنسيق بين الروابط والمنتديات في كل محافظه وايضا بين المحافظات حتى يكون المهرجان متوافقاً عليه بإعداد وتنسيق مشترك وليكون نوعاً وليس كماً ،هذا من باب والباب الآخر هو التفات وزارة الثقافة مع شبكة الإعلام العراقية والقنوات الإعلامية الأخرى لوضع ميزانيه سنوية تهتم بهكذا محافل تكون دوريه ..ونوعيه كي نجعل المتذوق يتعود على تاريخ وآليه المهرجان والأمسية التي حتما ستسهم بشكل واخر برفع الذوق الجمالي العام.
بينما ترى الشاعرة وفاء الخفاجي ان تراجع الفعاليات الثقافية بشكل عام لاسباب كثيرة اولها تراجع الذوق العام اضافة الى الفقر الشديد بالرقابة وتنظيم الفعاليات والانشطة الشعرية والادبية فتجد الساحة مفتوحة للمتسلقين على حساب الشعر للوصول الى الواجهة بطرق غير مشروعة اما دور الحكومة هو توفير المكان باعتقادي لا اكثر هذا ان استطاعت ذلك فيما يقتصر دور الاتحادات على لملمة الاوراق واعادة ترتيبها والتنسيق مع اصحاب الشأن والاطلاع المسبق على القصائد وغربلتها قبل طرحها كمادة شعرية في المهرجانات او الانشطة وهذه النقطة نفتقدها حاليا .
الشاعر والاعلامي سعد الربيعي قال سابقاً وتحديداً ماقبل التغيير ، كان لسطوة الانشطة الثقافية والادبية وبالخصوص «الشعر الشعبي»وقع كبير وتاثير مميزاً على شريحة لايستهان بها من الجمهور، اذ كان يرمي بظلاله على قاعدة عريضة عطشى لتذوق الكلمة المعبرة والجملة المضيئة ، بغض النظر عما يبوح به الشاعر من ميل لجهة, أو اعتناق لمذهب, أو اعتراف برأي ، وتمرير رسائله الرمزية والمباشرة معاً في آن واحد , حسب توجه الشاعر وظرف ومتطلبات المرحلة في ذلك الحين.
واستدرك الربيعي: لست منحازا لتلك المرحلة بقدر انحيازي للجمال والتميز ، إذ كانت هناك اماس تقيمها جمعية الشعراء الشعبيين مساء كل اثنين كانت بمثابة مهرجان اسبوعي حافل بالمفردة المتجددة والقصيدة الواعية ويستقطب الشرائح بمختلف الوانهم حتى كانت قاعة الجمعية تكتظ بالجمهور والشعراء على حد سواء.
وما بعد ذلك أي بُعيد تغيير النظام امتلأت الساحة الأدبية بفيض من البرامج والمنتديات والاماسي وطرحت أسماء جديدة وانجراف سيل من القصائد وظهور برامج ومسابقات شعرية متنوعة ولا انكر بزوغ بعض من النجوم والاسماء اللامعة في هذه المرحلة ولم يأت نجاحهم صدفة ، وربما اسسوا لذلك قبل تلك الفترة وشاءت المرحلة أن تطرح اسماؤهم بعد ذلك .
تراجع ملحوظ
واشار الى ان هناك في الآونة الاخيرة تراجع ملحوظ وعدم اكتراث الجمهور لتلك البرامج حتى خلت الساحة والبرامج من تلك الرغبة الجامحة الاماندر عن ذي قبل ، ربما لأننا نواجه مرحلة خطرة لم تستطع المفردة من شل نزيف الواقع المرير الذي عشناه طيلة هذه الفترة، أو كثرة البرامج والمنتديات حالت دون ذلك وطرح مسمى جديد الا وهو «كل متاح غير مرغوب فيه» أو كان لغياب الحكومة عن اهتمامها بمفاصل اتحاد الأدباء الشعبيين التي فشلت لوقتنا الراهن بعدم تخصيص قاعة خاصة للاماسي الاسبوعية بأسم الاتحاد الذي يمثل اغلب شعراء العراق من شماله إلى جنوبه الذي يعد ركيزة مهمة من ركائز الأدب ماانتج سوء الإدارة بالسبل المتاحة الذي لا يرتقي إلى العمل الاحترافي والمتقن جراء اهمال الدولة لذلك، وعمل بصيغة أو بأخرى إلى تثبيط الحضور والاهتمام به كما كان سابقا.