نبيل عبد الامير الربيعي
يتكون السوق قديماً من دكاكين صغيرة متلاصقة بعضها ببعض مربوطة من الأعلى بسقف (جمّالي) يمنع المطر في الشتاء ويقي الناس من شدّة الحر في الصيف، معظم الدكاكين في وسط السوق للبزّازين وتجارها من المسلمين واليهود، كما تباع فيه الخُضر والتوابل والسكائر والسكر والشاي، وفي الجانب سوق صغير مقابل جامع السنة فيه دكاكين لصبغ العباءات النسائية والمفروشات التي تنسج من صوف الأغنام، وايضاً دكاكين لصاغة الذهب، وفي الوسط محال بيع الدجاج والفوانيس، ويقع مقهى في بدايته وآخر في نهايته.
(1 - 2 )
وتشير بعض المعالم التي ضمها السوق إلى أن وجودها يمتد إلى فترة تتجاوز القرن من الزمن، حيث يمكن استدلال ذلك من طريقة تشييد الجامع الصغير الذي يتوسط السوق والذي أسسه الشيخ حمادي الرويلي عام 1868 حيث يؤكد ذلك إلى أن السوق كان موجوداً قبل وجود الجامع، كما أن السوق ومن جهة الشمال ضم بناية (التوراة) مكان العبادة للطائفة اليهودية التي كانت منتشرة قبل قرارات التهجير في مطلع خمسينيات القرن الماضي وهذه البناية ظلت قائمة حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي وقبل أن تقوم سلطات النظام السابق بهدمها وإقامة محال تجارية على أرضها .
لقد ظل هذا الأثر ـ السوق ـ وإلى وقت قريب يمثل صورة مصغرة للمكونات الاجتماعية التي تمثل المدينة حيث شغلت نشاطاته التجارية... إضافة إلى تجار من الأقلية اليهودية ومنهم سالم حسقيل وناجي نوري عزرا الذي كان آخر اليهود الذين غادروا المدينة إلى بغداد، حيث نقل نشاطه التجاري إليها بعد منتصف الستينيات، كما ضم السوق مختلف الأنشطة التجارية التي جعلت منه ممراً ومكانا تؤمه يومياً أعداد كبيرة من أبناء المدينة.
محطة القطار
كما جاء في كتاب (مذكرات من جنوب العراق) للمؤلف عبد الكريم القطان والذي يحدد تاريخ سوق الديوانية مطلع القرن العشرين اذ يصف لنا أسواق الديوانية ويبدأ من الجانب الأيمن حيث شارع محطة القطار القديمة ويذكر أن أول بناية على الجانب الأيمن، هي بناية (مسافر خانة) السرور لصاحبها الحاج عبد الحسين البحراني. وخلف هذه المسافر خانة سيف الحبوب، وهو مخزن كبير جداً لخزن الحبوب، وعلى جانبي الطريق حوانيت مبنية إما بالطابوق أو بطابوق اللّبن أي الطين.
وبعد صف آخر من الدكاكين ومقهى صغير نصل إلى أكبر مقهيين في الديوانية أحدهما على الجهة اليسرى، أما المقهى المقابل فهو للحاج عبد الحسين البحراني بعدهما نرى ضفاف نهر الحلة وهو النهر الذي يقسم المدينة ويحد صوب الشامية والدغارة ولم يكن أي بناء على ضفة النهر، ومن يجلس في المقهى يرى الجسر الصغير الذي يربط الضفتين.
المسافر خان
ومقابل المسافر خانة يمتد شارع عريض نسبياً يؤدي إلى شارع حمد آل حمود شيخ مشايخ الخزاعل المشهورة، إذا ما عبرنا الجسر الخشبي الذي تم بناؤه من قبل الأسطة السيد أدريس وهو من أبناء مدينة الحلة نكون قد دخلنا الصوب الكبير أو صوب الدغارة، وبعد عبورنا الشارع يواجهنا أحد مداخل سوق الديوانية الرئيس حيث تمتد على جانبه الأيمن الحوانيت وأشهرها الخياط إسرائيل وهو أشهر وأحسن خياط للبدلات الرجالية في ذلك الوقت وبعده حانوت آخر للحلاقة وهو صالون راقٍ إذ يحلق هناك كبار موظفي اللواء ووجوه البلدة وفوق هذه الدكاكين (مسافر خانة) الشيخ عبود شنين أحد شيوخ قبائل الأگرع وعلى جانبي السوق مقهيان، وبعد المدخل هناك حوانيت عديدة على الجانب الأيمن من الشارع، أما الجانب الأيسر فقد كانت هناك بناية من طابقين، أعتقد أنها كانت داراً لأحد وجهاء المدينة، تليها أرض خالية من البناء لمسافة ربع ميل تقريباً، حيث يوجد دكان كبير بنيَ بالطابوق غير المشوي (اللبن) وكان هذا الحانوت هو المكتبة الوحيدة في مدينة الديوانية يملكها ويديرها السيد جلال النبوي، وهو سيد مهيب الطلعة بعمامة سوداء وبعد سنين هُدم هذا الحانوت فتحوَّل السيد جلال إلى حانوت تحت (مسافر خانة) الشيخ عبود شنين.
ويمتد مقابل دكان السيد جلال شارع تقع على ركنه بناية بلدية المدينة، وهي تطل على ساحة تتصدّرها سراي الحكومة وهي بناية قديمة، تفصلها ساحة كبيرة عن شط الحلة... كان بقرب السراي أرض خالية بنيَ عليها بعد عدة سنوات بناية السراي
الجديدة.